
لأول مرة، تمكن الباحثون من تحديد مؤلف وعنوان وثيقة كانت محتجزة داخل لفافة محترقة لأكثر من 2000 عام—دون الحاجة إلى إزالة أي طبقة.
اللفافة، PHerc. 172، تم استرجاعها من أنقاض هيركولانيوم، المدينة الرومانية القديمة التي دفنت تحت الرماد والحطام الناتج عن ثوران جبل فيزوف في عام 79 ميلادي. تُعد هذه اللفافة واحدة من ثلاث لفافات هيركولانيوم التي توجد الآن في مكتبات بودليان في أكسفورد.
بفضل المسحات عالية الدقة وبعض تقنيات التعلم الآلي المتقدمة، تمكن العلماء من “فتح” البردية افتراضيًا وقراءة الاسم داخلها: عن الرذائل، للفيلسوف الإبيقوري فيلوديموس.
تتناول الرسالة—التي يُطلق عليها بشكل كامل عن الرذائل وفضائلها المعاكسة ومن هم ومن ماذا تتعلق، وفقًا لمجلة Fine Books Magazine—موضوعًا قديمًا يتعلق بالمساعدة الذاتية، حيث تستكشف كيفية العيش حياة فاضلة من خلال تجنب الرذيلة. كتب فيلوديموس هذا العمل في القرن الأول قبل الميلاد، ويُقرأ الآن للمرة الأولى منذ أن دفن في ثوران بركاني مدمر قبل نحو 2000 عام.
أدى الاكتشاف—الذي أكدته فرق بحث متعددة—إلى حصول المتعاونين في المشروع على جائزة بعنوانها الأول بقيمة 60000 دولار من تحدي فيزوف، وهو منافسة للعلوم المفتوحة تهدف إلى جعل النصوص القديمة قابلة للقراءة باستخدام الذكاء الاصطناعي.
في السنوات الأخيرة، كان للذكاء الاصطناعي دور حاسم في فك شفرة اللفافات القديمة المتفحمة من هيركولانيوم، المدينة الرومانية المدفونة تحت ثوران جبل فيزوف في عام 79. تم اكتشاف هذه اللفافات لأول مرة في القرن الثامن عشر في ما يُعرف الآن بفيلا البرديات، وهي واحدة من المكتبات القليلة الباقية من العالم الكلاسيكي.
نظرًا لحالتها الهشة والمحترقة، غالبًا ما أدت الطرق التقليدية (اقرأ: اليدوية) لفك اللفافات إلى تدميرها. الآن، يستخدم الباحثون تقنيات التصوير المتقدمة والتعلم الآلي لقراءة هذه النصوص دون الحاجة إلى فتحها.
جاءت نقطة التحول في عام 2015، عندما استخدم العلماء التصوير بالأشعة السينية لقراءة لفافة قديمة مختلفة من إن-جيدي، مما أتاح إنشاء مسح ثلاثي الأبعاد يمكن “فتحه” افتراضيًا. بناءً على ذلك، طور الباحثون في جامعة كنتاكي برنامج “مخطط الحجم”، وهو برنامج يستخدم التصوير المقطعي الدقيق لاكتشاف آثار الحبر القائمة على الكربون على اللفافات.
نظرًا لأن الحبر لا يحتوي على معادن، على عكس العديد من المواد الكتابية القديمة، كان لابد من تدريب شبكة عصبية للتعرف على الأنماط الدقيقة التي تشير إلى وجود الحبر على البردية المتفحمة. في عام 2019، نجح الباحثون في إثبات هذه التقنية، مما مهد الطريق لتطبيقات أوسع.
توجت هذه الإنجازات بتحدي فيزوف، الذي أُطلق في عام 2023 لجمع الجهود لفك شفرة اللفافات المغلقة. يستخدم المشاركون أدوات الذكاء الاصطناعي—خصوصًا الشبكات العصبية التلافيفية ونماذج المحولات—لتحديد النص وإعادة بناءه داخل اللفافات. في أكتوبر 2023، تم قراءة أول كلمة (“أرجواني”) من لفافة غير مفتوحة، مما أكسبهم جائزة بقيمة 40000 دولار. يستمر التحدي، مع تقديم جوائز لفك شفرة نصوص إضافية وتحسين التكنولوجيا.
قال برنت سيليز، عالم الحاسوب في جامعة كنتاكي ومؤسس مشارك لتحدي فيزوف، لـذا غارديان إن عنق الزجاجة الحالي للفريق هو تنظيف وتنظيم وتعزيز بيانات المسح بحيث يمكن للباحثين تفسير الحبر المتفحم كنص.
من المهم أن عملية “فتح” الوثائق الرقمية تكون مدفوعة بخبرة بشرية. يبرز الذكاء الاصطناعي المناطق المحتملة للحبر على الوثائق القديمة، لكن العلماء يفسرون الأنماط لتحديد ما إذا كانت تشكل كلمات أو عبارات متماسكة. الهدف ليس فقط استعادة النصوص الفلسفية المفقودة، التي قد تكون للكثير منها علاقة بأبيقور أو أتباعه، ولكن أيضًا إنشاء نظام قابل للتوسع لرقمنة وفك شفرة النصوص القديمة—مما يحول فهمنا للعالم الكلاسيكي.